بسم الله الرحمن الرحيم

ضريح المولى ادريس الأكبر بمدينة زرهون

 

 

كما يعلم الجميع كان اول الوافدين على المغرب من المنتسبين الى بيت النبي صلى الله عليه وسلم هو المولى ادريس بن عبد الله

الكامل بن الحسن المثنا بن الحسن السبط بن مولانا علي كرم الله وجهه ومولاتنا فاطمة رضي الله عنها. والذي هو الجد الثامن عشر لمترجمنا وشيخنا سيدي علي بن احمد نفعنا الله ببركتهم اجمعين؛ حيث وصل المولى ادريس الى المغرب يوم 10 يونيو 786 م , فبايعه المغاربة سنة 789م . (ان بيعته اتارت غضب العباسيين في بغداد , ونظرا لبعد المسافة بينه وبين مقر الخلافة  بعثوا له من يدس له السم فمات)؛ (1) وقد بنى خلفه ادريس الثاني  مدينة فاس سنة 808 م

بعد ان وفدت عليه حشود الأندلس وافريقيا بل ومن العراق وفارس ممن تعرضوا للاضطهاد والقمع في تلك الجهات. ـ كما يؤكد ذلك صاحب المرجع السابق.

ودون الخوض في تفاصيل الأحقاب التارخية وتواترها وتعاقبها,و حتى لانبتعد كثيرا عن موضوعنا اقول ان اولى  السلالات الشريفة التي حكمت المغرب كانت هي السلالة الإدريسة المباركة التي يرجع اليها الفضل في توطد دعائم الإسلام في هذه البقاع. قبل ان تتعدد فصائل الأشراف الآخرين القادمين الى المغرب وتتناسل؛ وان كان الدكتور عبد الهادي التازي عضو اكاديمية المملكة يحدد اشراف المغرب في خمسة اصناف, وهم حسب الدكتور التازي: الأدارسة بفروعهم, ثم  والحميديون وهم العلويون والموسويون ومنهم القادريون,  ثم العرضيون بما فيهم الحسينيون من صقليين, ثكم الكاظميون المعروفون بالعراقيين.(2).ويؤكد نفس الباحث ان اشراف المغرب قد تعرضوا لمحن وقتل واضطهاد, وعمل فيهم السيف مرات عدة, خصوصا اواخر العهد الإدريسي نتيجة كفاحهم للحفاظ على دولتهم وحمايتها من الأخطار المحذقة بها كالأطماع الأموية الأندلوسية مثلا. ويذكر نفس الباحث ان هذا الكفاح استمر قرنا كاملا كانوا فيه عرضة لمجازر ومدابح مأساوية .وهنا لايغيب عنا ما لاقاه الأشراف الأدارسة بفاس من تقتيل وتنكيل على يد الفتان موسى بن ابي العافية المكناسي الصنهاجي الذي تروي المصادر التاريخية انه اراد قطع دابرهم فعمل فيهم السيف, مما جعلهم يفرون من مدينة فاس متفرقين في سائر الجهات. بل ان منهم من غادر المغرب الى الخارج. و يذكر السيوطي  مايلي:(انه خرج من فاس سبعمائة رجل من الشرفاء الفارين الى جبال غمارة , واثنى عشر رجلا الى جبال تادلا , وسبعة رجال الى فيجيج , واربعة الى سجلماسة , وعشرة الى سوس الأقصى , واربعة رجال الى دكالة , واربعة الى تامسنا, وسبعة الى وطاط, وسبعة الى واد عزة ,  وثمانية الى الساقية الحمراء, وعشرة رجال الى الأندلس.)(3).

ونظرا لما تحيلنا عليه مصادرنا الخاصة مثل شجرة النسب التي بيدنا والتي تصف جدنا هذا ب: ( الفيجيجي النسب), فانني اتوقع ان يكون اسلافه  رحمهم الله من هؤلاء السبعة الذين خرجوا من فاس اثناء هذه المحنة في اتجاه فيجيج قبل ان يستوطن آباؤه قبيلة بني جرفط شمال المغرب.

 

ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض من المتأخرين ممن يحاولون الترجمة لشيخنا رحمه الله عدم انتباههم الى وجود شخية علمية اخرى شهيرة  كانت تحمل نفس الإسم( ابو الحسن الصرصري). وقد اشتهر هذا الأخير كذلك  بتدريس التهذيب بفاس. يقول الأستاذ الكبير والمحقق المقتدر محمد المنوني عند حديثه عن الكراسي العلمية بفاس :(كرسي التهذيب بالمدرسة العنانية أنشأه أبو عنان المريني بهذه المدرسة بفاس ورشح للتدريس به ابا الحسن عليا الصرصري , وهو آخر الكراسي المرينية الثلاث التي لا يعرف عنها تفصيلات أكثر..) .(4) .ومن الواضح ان المقصود هو شخص آخر غير شيخنا. ولا ادل على تمكن الصرصري هذا  وعلو كعبه من تعيين السلطان ابي عنان المريني له للتدريس بكرسي التهذيب بالمدرسة المتوكلية بعد ان استكمل بناءها. وله قصة مشهورة معه ترويها جل المصادر التاريخية الموثوقة. ولا بأس من ذكرها هنا. جاء في كتاب:( أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض) ملخصا القصة عن تاريخ القيسي مانصه:(ولما كمل غرض ابي عنان , كبير ملوك بني مرين , من بناء مدرسته بالمتوكلية بفاس, قال انظروا من يقري بها الفقه , فوقع الاختيار على الشيخ الصرصري الحافظ , ولما جلس بها واتسع صيته وجه اليه ابو عنان المذكور من يسأله في مسائل التهذيب التي انفرد باتقانها وحفظها, وطالبه بتحقيق ذلك واتقانه  وحسن تلقيه , ولا ادري المنتخب له, هل هو ابو عيسى موسى ابن ابي الإمام المذكورآنفا ام السيد الشريف ابو عبد الله  شارح "الجمل" المتقدم ذكره, او هما معا, فطالباه بتحقيق ما اورده  من المسائل عن ظهر قلب وعلى المشهور من حفظه , فانقطع انقطاعا فاحشا , ولما أضجره  ذلك نزل عن كرسيه , وانصرف كئيبا , في غاية القبض , ولما اشتهر ذلك عنه وجه اليه ابو عنان الملك المتقدم الذكر , فلما مثل بين يديه آنسه وسكنه ثم قال له : انا امرت بذلك كي تعلم ماعندك من العلم وما عند غيرك من الناس, وتعلم ان دار المغرب هي قبلة كل قاصد , فلا يجب ان تتكل على حفظك وتقتصر على ما حصل عندك, ولا يمنعك ما أنت فيه من التصدي عن ملاقاة من يرد من العلماء , والتنزل للأخذ عنهم , ولا يقدح ذلك في مرتبتك عندناان شاء الله تعالى.).(5).  وهي قصة مشهورة حتى ان ابن خلدون عند انتقاده لطرق التدريس بالقرويين آنذاك يوردها كدليل على قصور طرق التدريس.( انظر المرجع السابق). ومن الكتب التي وقع فيها خلط بين شخصية أبي الحسن الصرصري صاحب أبي عنا ن هذا, و بين أبي الحسن الصرصري صاحب زاوية صرصر كتاب محمد بن عبد الرمحمن بن خليفة المعنون ب:( القصر الكبير أعلام أدبية علمية تاريخية) الصادر عن جمعية البحث التاريخي والاجتماعي سنة 1993 حيث جاء فيه عند ترجمته لشيخنا المغاسي الصرصري ما نصه: (لم يكن ابو الحسن رجل تصوف فحسب بل كان رجل علم وفقه متبحرا في مذهب الإمام مالك وغيره, وقد درس عليه الكثير من العلماء, فصاحب نفح الطيب عندما ترجم لأبي عبد الله محمد بن اسحاق ابراهيم بن أبي بكر بن عباد الرندي قال:" أخذ عن الشيخ الفقيه الحافظ أبي الحسن الصرصري بعض كتاب التهذيب"نفح الطيب المجلد الخامس, صفحة 342..).(6). والحقيقة ان الشخصية التي كان يعنيها صاحب  نفح الطيب الذي يستدل به ابن خليفة انما هي شخصية أبي الحسن الصرصري صاحب أبي عنان وليس أبي الحسن الصرصري صاحب زاوية صرصر. وأن بن عباد هذا فعلا قد أخذ عن الصرصري صاحب أبي عنان. وان القاء نظرة بسيطة على تاريخ ميلاد وفاة ابن عباد ليكفي لإدراك الفرق الزمني الشاسع بين الرجلين.من المعلوم ان بن عباد الرندي هذا قد ولد سنة 733هـ , وعاش لفترة في مدينة سلا وعاشر الشيخ المعروف العلامة الكبير محمد بن عاشر المتوفى سنة 763هـ. وان الرندي توفي بمدينة فاس سنة 792هـ .بينما توفي شيخنا سنة 1027هـ .أي 235 سنة من الفرق بين وفاة الرجلين.

بقلم: محمد الزبيري

 

 المراجع:

(1) كتاب التاريخ الدبلماسي للمغرب. للدكتور عبد الهادي التازي, ج4 . ص: 22.ط 1986 المحمدية

(2) المرجع السابق

(3) انظر كتابه: (سلسلة الأصول في شجرة ابناء الرسول) صلى الله عليه وسلم.

(4) (كرسي الأساتذة بجامعة القرويين) للأستاذ الكبيرمحمد المنوني بمجلة دعوة الحق .العدد 4 السنة 1966

(5) أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض . ج: 3. ص :27

(6) انظر الصفحة : 80 من المرجع المذكور

 

 

الرئيسية                                          إلى الخلف

 

أطلق هذا الموقع  سنة 2006، آخر تحديث  سنة:2015  جميع الحقوق محفوظة لصاحب الموقع