صفحات من تاريخ عرباوة

 

أقدم لك زائري الكريم هذا البحث المتواضع الذي قمت به عن تاريخ عرباوة ، وهو مختصر طبعا، لأن هذا ما سمح لي به الزمان والمكان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

من المستغرب حقا ألا تسعفنا المراجع التاريخية بمعلومات ذات بال عن مطقة عرباوة رغم موقعها الإستراتيجي الهام الذي تحتله الجماعة على خريطة المملكة,فقد كان ترابها عبر العصور والأحقاب مسرحا لأحداث كبيرى، ومعبرا لمختلف الحضارات والثقافات، سواء تلك التي جاءت من الشمال والشرق مند الفنيقيين والقرطاجيين والرومان والوندانأو العرب الفاتحين، وحتى قبل ذلك بكثير؛ أو تلك التي عبرت من داخل المغرب في اتجاه شماله, وصولا الى الضفة الشمالية للأبيض المتوسط.

صورة نادرة لجنود الاحتلال بتكنة عرباوة

عرباوة.. التاريخ والموقع

قبل الإبحار في يم التاريخ وتقليب صفحاته لاقتفاء لآثار منطقتنا لا بد من تحديدها جغرافيا ؛ وكما هو معلوم فإن عرباوة تنتمي لمنطقة الغرب ،((والغرب في العرف المغربي هو المنطقة الغربية الخصبة الواقعة بين وادي للكوس شمالا وادي سبو جنوبا، مشتملة على قبائل الخلوط وطليق وسفيان وبني مالك والمناصرة .وكانت مدينة القصر الكبير هي قاعدة هذه المنطقة قيل أن تؤسس مدينة القنيطرة في بداية القرن العشرين فتصبح .     (1)((...مزاحمة لها 

لكن هذا تعريف للمنطقة في العرف الحديث، بينما عرباوة كانت على موعد مع التاريخ قبل ذلك بكثير لأنها راسخة في القدم؛ وإن الزائر للمتحف الأثري بالرباط  وهو يتجول في قاعته الثانية المخصصة لحضارات ما قبل التاريخ  ليفاجأ بأن أقدم اللقى الأثرية الموجودة بهذه القاعة والمتعارف عليها أركيولوجيا بمصطلح

أقدمها تلك التي اكتشفت بمنطقة عرباوة ودوار الدوم بالرباط وناحية الدار البيضاء؛ مما يدل دلالة قاطعة على أن منطقتنا كانت مأهولة منذ ما قبل التاريخ . غير ان الباحث يصطدم بقلة المعلومات  : Pebbe-culture

وشح في المراجع والبحوث من هذه الناحية رغم أهميتها التاريخية ووالاستراتيجية والدور الذي لعبه سكانها في مختلف الأحداث التاريخية الفاصلة التي كانت منطقتنا مسرحا لها. لاسيما وأنها تقع على الطريق الرئيسية الرابطة بين شمال المغرب وجنوبه، وهي طريق معروفة حتى قبل الفتح الإسلامي للمغرب. فصلا عن أنها (أي عرباوة)لا تبعد إلا بحوالي 12 كلم عن أقدم مدينة بالمغرب قصر كتامة أو القصر الكبير حاليا، الغنية عن التعريف ، والتي كانت منطقتنا معايشة لها وفي تفاعل دائم مع أحداثها. وغير بعيد عن مركز حضاري آخر كان له شأن عظيم على صعيد المنطقة والبحر المتوسط ككل.إنها مدينة ليكسوس بضواحي العرائش التي عرفت ازدهارا كبيرا مند القرن الأول قبل الميلاد في عهد الملك جوبا الثاني؛ ولا تبعد إلا ب: 8 كلم عن حاضرة أخرى كان لها شأن في فترة من تاريخ المغرب ، وكانت عاصمة لدولة إدريسية صغيرة؛ إهنا مدينة البصرة الواقعة على الطريق الصاعدة الى مدينة وزان، قرب مقر جماعة سيدي عمر الحاضي المجاورة لجماعتنا.تلك المدينة التي أسست بين سنتي 796 و803 م ، وكانت سنة 958م عاصمة لدولة إدريسية تمتد من الريف الى منطقة غمارة ، ويصفها ابن حوقل الذي عاش في القرن التاسع الميلادي بأنها مدينة منوسطة المساحة ، محاطة بأسوار ، وذات منتجات يخص بالذكر منها القطن الذي يتم تصديره الى افريقيا والقسطنطينية..وأنها مدينة مزدهرة تجاريا . وظلت كذلك الى أن فقدت أهميتها في القرن 15 حسب ما يذكر ليون الإفريقي (2)ا

عرباوة.. التاريخ والسكان

إن عرباوة كانت تعد عبر التاريخ من ضمن بلاد الهبط التي تعرف بالغرب. ولابد من الإشارة هنا الى حقيقة يذكرها ابن خلدون ، فعند حديثه عن قصور كتامة , أي مدينة القصر الكبير حاليا، يشير الى أن قبيلة كتامة قبيلة بربرية كانت تقطن المغرب الأوسط ، لكنها استقرت بالمغرب الأقصى ببلاد الهبط خلال القرن الرابع الهجري مع حملة العبيديين على المغرب .ومما يذكره ابن خلدون عن قبائل كتامة في نفس المرجع قوله: "ومن بقايا كتانة أيضا قبائل أخرى بناحية تدلس في هضابه مكتنهة وهم في عداد القبائل الغارمة.. وقبيلة أخرى بناحية الهبط مجاورة لقصر بن عبد الكريم"

من الصور النادرة لاستنفار جنود الاحتلال بتكنة عرباوة

 

وإجمالا تجمع المصادر التاريخية الموثوقة على أن القبائل التي استوطنت بلاد الهبط بصفة عامة ذات أصول عربية شرقية من عرب بني هلال  الذين يرجع أصلهم الأول الى منطقة غزوان قرب الطائف، وبني سليم الذين هم من منطقة المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية حاليا. وتذكر المصادر نفسها أنهم كانوا يغيرون على القوافل والحجيج أيام العباسيين فكثرت الشكاوى منهم كما يذكر ذلك ابن خلدون (3) ويشير المصدر المذكور أنهم ناصروا القرامطة عند ظهورهم وانضموا الى جنودهم في البحرين  وعمان الحالية؛ غير أنه بعد  انتصار العبيديين آل ابن عبد الله المهدي على القرامطة ، وانتقاما ممن ناصرهم من عرب بني هلال وبني سليم قاموا بنقلهم الى صعيد مصر شرق النيل.ولما خلع المعز بن بادس الصنهاجي ممثل العبيديين بافريقيا بتونس البيعة لحكام مصر وقطع الخطبة للخليفة المستنصر بالله في القاهرة سنة 443هـ وبايع العباسيين، عاقبه المستنصر بارسال عرب بني هلال وبني سليم اليه، فاستولوا على برقة ، وأعاتوا في افريقيا واقتسموا البلاد فيما بينهم؛ فكان لبني سليم شرقها ولبني هلال غربها ، كما يذكر ابن خلدون في المرجع السابق: " فكان لهلال من تونس الى الغرب وهم: رياح، وزغبة، ومعقل، وجشم، وقرة، والأثبج، والخلط، وسفيان."حتى خرج اليهم الموحدون من المغرب ، ولما نقضوا عهدهم للموحدين خرج اليهم المنصور الموحدي وكسر شوكتهم وهزمهم وشرد من حاربه منهم الى صحاري برقة؛ أما من أبدى طاعته منهم ـ يقول ابن خلدون ـ "فقد فقد نفاهم الى ابلمغرب الأقصى سنة 584 هـ . وأنزل جشم بتامسنا وبنو رياح ببلاد الهبط وأزغار مما يلي ساحل طنجة الى سلا"أنظر كذلك موسوعة قبائل المغرب(4

وهكذا ومن خلال ما سبق يتضح أن سكان منطقة عرباوة المعروفون بقبيلة الخلوط هم فئة من عرب بني هلال كانت تحمل نفس الإسم (الخلط) حتى قبل استقرارها في منطقة عرباوة من بلاد الهبط التي يذكر ابن خلدون في تاريخه أنها استعربت ابتداء من القرن الرابع عشر الميلادي.

عرباوة.. التاريخ والجهاد

     مما لاشك فيه أن سكان بلاد الهبط  ـ والخلط منهم ـ قد ساهموا في المعارك والحروب الفاصلة في تاريخ المغرب، بحكم موقع بلادهم وبحكم فروسيتهم ودرايتهم بشؤون الحرب ؛ ولا أدل على ذلك من أنهم كانوا يشكلون القوة الضاربة لجيوش بعض الدول التي حكمت المغرب كما كان الأمر بالنسبة للجيش الوطاسي، حيث يذكر صاحب كتاب (الدولة العثمانية)أن سبب هزيمة الجيش الوطاسي أمام السعديين في معركة بيرعقبة قرب وادي العبيد يرجع لتخلي قبائل الخلوط الذين كانو يشكلون رأس الحربة في الجيش الوطاسي.

يقول علي الصلابي:((تلقى أحمد الوطاسي هزيمة 536هـ 943م من السعديين في موقعة بير عقبة قرب وادي العبيد، بسبب تخلي قبائل الخلط التي كانت تكون القوة الأمامية للجيش الوطاسي))(5).والتاريخ يحدثنا عن وفود المجاهدين التي كانت تعبر عرباوة لمقاتلة الغزاة البرتغاليين، في أواخر العهد الوطاسي مثلا، حيث بدأ البرتغاليون في غزو ثغور المنطقة الشمالية للمغرب مثل منطقة سبتة وطنجة وأصيلة والعرائش.إذ تذكر تلك المصادر التاريخية أن البرتغاليون دمروا المنطقة الممتدة من ناحية الهبط الساحلية والتي تضم القصر الكبير والعرائش وأصيلة وصولا الى عبدة وحاحة (6).وعندما ظهرت دعوة الشيخ الجازولي  للجهاد(7)انضم أبناء المنطقة الى حشود المجاهدين  التي كانت تعبرمنطقتهم للجهاد في الشمال، كما شاركوا في تلك المعارك مثل معركة شرف العقاب  قرب طنجة سنة1524؛ ومن بين من استشهد فيها  سيدي عبسى ابن الحسن المصباحي ابن سيدي عيسى صاحب الزاوية المصباحية بالدعادع من بلاد طليق بسوق أربعاء الغرب، والذي دفن بمكان المعركة. وهو من منطقة الغرب(سوق الأربعاء)حاليا.

ومن المجاهدين المنتمين لمنطقتنا والذين كان لهم شأن كبير في هذا الباب أبو عبد الله بن أحمد المالكي الزياني المعروف بالعياشي من أولاد زيان قبيلة بني مالك  المجاورة والذي تألق في جهاده رفقة أبناء منطقتنا, وخلص عدة ثغور من يد البرتغال .. وتذكر بعض المصادر مثل مؤرخ الشرفاء أنه اغتيل في بلاد الخلوط قرب مدينة القصر الكبير سنة1051هـ (8)فالمجاهد العياشي الذي يعتبر مفخرة للمنطقة ومن الشخصيات الجهادية التي لم تنل التكريم الذي تستحقه، ولم يعرف به بالشكل الذي يليق بدوره الجهادي في تلك الفترة الدقيقة من تاريخ المغرب، ولذلك ارتأيت أن أخصص لهذه الشخصية الفدة صفحة من هذا الموقع المتواضع تعرف به وببطولاته الجهادية. أقول إن المجاهد العياشي كان تلميذا للقطب الكبير الشيخ الجليل دفين سلا، سيدي عبد الله بنحسون المتوفى سنة1013هـ والذي تروي بعض المصادر أنه من وجهه للجهاد ضد البرتغال بمدينة أزمور وقال له قولته المشهورة:(هذا الجواد هو دنياك وآخرتك).(9)وفي محاولة للبحث عن ملابسات قتله, أذكرأن الشيخ كان قد عمل السيف في بعض أبناء الأندلس من النازحين الى الرباط وسلا، بعد أن خانوه في معركته بالمهدية ضد الإسبان وساندوا الإسبان ضده، مما جعله يستفتي فيهم العلماء فأفتوا فيهم فتوى تنص على خروجهم عن الأمة.ومن هؤلاء العلماء أصحاب الفتوى العالم الكبير والقطب الشهير عبد الواحد بن عاشر دفين سلا.وكان بعض هؤلاء من الأندلوسيين قد لجأوا الى الزاوية الدلائية بتادلا والتي كانت قوية بما فيه الكفاية، لدرجة أن السلطة السعدية نفسها كانت تخشاها، حيث تشفع شيوخ الزاوية الدلائية لهؤلاء الأندلوسيين لدى المجاهد العياشي لكنه رفض، مما جعل الدلائيين يكمنون له  ويقاتلونه عند عودنه منهكا من إحدى معاركه الجهادية  بطنجة. ولما انتصروا عليه فر هاربا الى قبيلة الخلط التي غدرت به وقطعت رأسه في ملابسات غامضة

ويذكر صاحب الاستقصاء أنه قد كان لهذا المجاهد ابن علامة صالح، نظم أرجوزة في أصحاب بدر،توسل بها الى الله للانتقام من قاتلي أبيه كما يشير كاحب موقع زاوية أبي الشتا.وعلى ذكر أبي الشتاْ الذي كان له شأن كبير في قيادة الجهاد في منطقتنا والشمال بصفة عامة، إذ يذكر التاريخ انه كانت له زاوية قرب مدينة فاس في فشتالة؛ كان يجمع فيها المجاهدين من قبائل الغرب والهبط ليجاهد بهم ضد البرتغاليين في منطقتنا والقصر الكبير وطنجة وأصيلة والعرائش وغيها.

وقد ساهم أبناء عرباوة كغيرهم من قبائل الهبط في معركة وادي المخازن الفاصلة والتي دارت غير بعيد عن ديارهم سنة1578م.ويكفي الخلط فخرا مشاركتهم المشرفة في هذه المعركة الفاصلة والتي أبلوا فيها البلاء الحسن كما يذكر صاحب الاستقصاء عندما ينقل لنا إعجاب المنصور السعدي بهم يوم هذه المعركة المشهودة فيقول:

  "ولم يزل الأمر كذلك الى دولة السلطان أبي العباس أحمد المنصور السعدي المعروف بالذهبي فرأى جلاد الخلط وقتالهم يوم وادي المخازن وابلائهم البلاء الحسن فاختار النصف منهم وردهم الى الجندية وأبقى النصف الآخر في غمار الرعية ونقلهم الى أزغار فاستوطنوه.."

 

عرباوة.. الإسم والتاريخ الحديث

إن التاريخ القريب نسبيا لا يسعفنا إلا بالنزر اليسير من المعلومات عن عرباوة ومنطقتها، حيث تذكر بعض المصادر الغير الرسمية،وتحكي بعض الروايات الشفاهية المتواترة أن عرباوة قبل بداية القرن التاسع عشر كانت تعرف باسم (الماء البارد)، نظرا لوفرة المياه العذبة بها؛ وبعضهم يذهب الى أن اسمها المال البارد وليس الماء البارد؛ ربما لأنها كانت منطقة خصبة فلاحيا ومزدهرة تجاريا..ومع نهاية القرن التاسع عشر فقط أصبحت تعرف باسم :(عرباوة). هذا الإسم المنحوت والمركب نركيب إدماج من كلمتي (عرب) العربية؛ و(آوى) البربرية التي معناها: آت مسرعا. ومعنى الكلمة المركبة عرباوة: عرب الخلط. حسب تفسيرات وتأويلات بعض الدارسين المجتهدين..وقد قادني البحث عن اسم عرباوة إلى التوصل لوثائق تاريخية هامة تمثل الدليل القاطع على أن عرباوة كانت تسمى ـ حتى مطلع القرن العشرين ـ (عرباوة الماء البارد)  كما يتضح ذلك جليا من خلال هذه الأختام البريدية من عرباوة والرسائل التي كان يبعث بها المستعمرون من عرباوة إلى ذويهم بفرنسا

 

 

هذا بالنسبة للروايات المتواترة والتي تلقيناها من بعض المسنين من أبناء المنطقة كما تلقوا ذلك عن آبائهم وأجدادهم.أما بالنسبة للمصادر الرسمية فإن أقدم ذكر لاسم عرباوة وجدته حسب بحثي المتواضع في وثيقة رسمية هامة، أصلها محفوظ بمديرية الوثائق الملكية بالرباط تحت عدد: 364؛ مؤرخة في : 29 رجب 1290هـ؛ وتحمل بيعة القصر الكبير وقبائل الغرب للسلطان مولاي الحسن الأول. نظيرها منشور بموقع وزارة الأوقاف، حيث جاء في هامش الصفحة مايلي:(الخلوط وطليق قبيلتان عربيتان متدامجتان تقع بترابعما مدينة القصر الكبير ومدينة العرائش وقرية عرباوة.)ومن ضمن الأشخاص المنتمين الى قبيلة الخلوط الموقعين على وثيقة البيعة المذكورة نجد الأسماء الآتية:(السيد محمد بن عمرو العفاني، الشيخ عمرو بن العفاني، الحاج قاسم الجميلي، الحاج بوسلهام بن الخياط).(10).ويبدو أن بعض هؤلاء ـ كما تشير أسماؤهم ـ منتمون الى دواوير معروفة بجماعة عرباوة مثل دوار أولاد عفان ودوار أولاد أجميل،حيث لا زالت هناك عائلات تحمل نفس الإسم ونفس النسب العائلي..

إضغط هنا لمشاهدة النص الكامل للوثيقة المذكورة

كما نجد في بعض المحررات الرسمية لنفس الفترة وما بعدها أسماء أخرى تطلق على المنطقة مثل عرباوة العقبة،أو عرباوة عقبة البقر،وفي بعض المحررات الفرنسية نعتر عليها باسم عرباوة ليوطي.

ولتقريبك زائرنا الكريم من الصورة الجهادية المشرقة لأبناء المنطقة لا بأس من نقل هذه الفقرة من كتاب (نشر المتاني):(وفي صبيحة الحادي عشر من من الشهر ـ يقصد شهر المحرم لسنة 1177 هـ ـ شاع الخبر بأن النصارى دمرهم الله وأهلكهم أخذوا العرائش...فلما كان العصر من ذلك اليوم تيقن الناس بالخبر الصحيح...بأن المسلمين أصلح الله أحوالهم وقع بينهم وبين النصارى قتال كبير في البحر قرب البر ، ثم إن القائد محمد الحبيب الحمادي الحاكم في القصر وأحوازه، والقائد عبد الله بن محمد السفياني الحاكم في لإخوانه سفيان  ومن انضاف اليهم من قبائل تلك الجبال والنواحي أغاثوا العرائش وأعانوهم رحمة لهم وحمية لحرمة دين الإسلام ؛ فقاتلوا أشد القتال، فأمدهم الله بالصبر وأيدهم بالنصر، فهزم الكفار هزيمة عظيمة...(11).ومعلوم ان الهجوم الذي يتحدث عنه المؤرخ أعلاه قد حدث في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله، ومع انطلاقة عهد الحماية، وكغيرهم من المغاربة عموما وقبائل الهبط خصوصا، كان لسكان عرباوة دورهم البارز في مقاومة المحتل، حيث يذكر الدكتور مصطفى مشيش أنه في سنة1911اجتمع بقصبة مهدية عشرة آلاف جندي فرنسي مجهزين بكل أنواع الأسلحة، استعدادا للزحف على فاس، واشار نفس المصدر أن تلك القوات واجهت مقاومة ضارية من قبائل الغرب؛ وذكر الدكتور مقاومة سوق أربعاء الغرب وقبائل بني مالك وسفيان(12).وهاهو مؤرخ آخر عاصر نفس الأحداث وعاش في نفس الفترة الاستعمارية، يقدم لنا صفحة مشرفة من تاريخ نضال أبناء عرباوة،إنه الفقيه الجليل أحد علماء القرويين، أحمد بن قاسم المنصوري المولود سنة1897،الذي شغل من بين ماشغل ـ بالإضافة الى التدريس ـ منصب القضاء بسوق أربعاء الغرب سنة1949حيث يقول:(وهكذا اشتبكوا مع القوات الفرنسية المغيرة على تامسنا سنة1907.وفي الغرب، ناحية عرباوة، عندما قاموا باعتراض جيش الجنرال برولارسنة1911)(13).) 

فابتداء من سنة1912 أصبحت لعرباوة أهمية خاصة، إذ باتت تشكل بوابة الفرنسيين على الشمال ونقطة حدود بين النفود الإستعماري الفرنسي ونظيره الإسباني. ولعل أصدق تصوير لحال عرباوة آنذاك هذا الوصف الذي تقدمه لها الأديبة المغربية المعروفة فاطمة المرنيسي في كتابها الصادر شنة1994 حيث جاء فيه:(الفرنسيون والإسبان تقاتلوا فوق أرضنا وحين لم يتمكن أحدهم من القضاء على الآخر قرروا تقسيم المغرب الى قسمين. وضعوا جنودا عند عرباوة وقرروا بانه من الآن فصاعدا لتذهب الى الشمال لا بد لك من تصريح بالمرور لتدخل الى المغرب الإسباني. وإذا أردت التوجه نحو الجنوب فلا بد لك من تصريح آخر لأنك ستعبر الحدود لتدخل الى المغرب الفرنسي أما إذا رفضت الإنصياع الى الأوامر فستضل محجوزا بعرباوة)

 

    واصبح عبور عرباوة ضربا من المستحيل نظرا لتشديد قبضة المستعمر عليها وتضييق الخناق على أهلها، حتى أصبحت مضرب مثل لاستحالة عبورها. تقول الكاتبة المغربية والأستاذة الجامعية فاطمة المرنيسي في كتابها:(أحلام النساء):"كان مدخل دارنا حدودا حقيقية محروسة كتلك التي توجد في عرباوة.."فأولاها الفرنسيون عناية خاصة وبنوا بها تكنة عسكرية لا زالت آثارها بادية للعيان الى اليوم، فقد كانت غاصة بجنود الإحتلال، خصوصا من أولئك الذين كان يطلق عليهم(ساليغان)من الجنود الأفارقة، مما يدل دلالة قاطعة على شراسة المقاومة التي كانت تلاقيها فلول الإستعمار هنا؛ كما بنوا إدارة الجمارك لحماية حدودهم وفرض سيطرتهم، وقد تركوا بمركزها عدة بنايات هامة تسلمتها الدولة المغربية عشية الاستقلال. وتبدو في أسفله صورة التقطتها لجانب من البوابة الغربية للتكنة العسكرية الفرنسية التي لا زالت ملامحها قائمة بمركز عرباوة، حيث لازالت في أعلا الجدار لوحة رخامية منقوش عليها تاريخ تأسيس التكنة:1912

ومع حصول المغرب على استقلاله، وفي سنة 1956 وبالضبط يوم 10 أبريل زار الملك المحرر محمد الخامس عرباوة، ويوم الإثنين 17 فبراير 1958 كانت زيارته التاريخية الرمزية لعرباوة التي دشن بمركزها المسجد المحمدي، وأزال الحدود الوهمية بديوانة الخضاضرة التي كانت تقسم المغرب الى شمال إسباني وجنوب فرنسي. ومما جاء في الكلمة التاريخية التي ألقاها المغفور له الملك محمد الخامس بالمناسبة:(..من هذه البقعة التي كانت فيما سبق حدا فاصلا بين شطري الوطن، نزف اليكم بشارة تملأ قلوبكم فرحا، وتهز عواطفكم مرحا، ونزجي نبأ حدث سعيد يدخل البهجة على كل بيت، ويشع المسرات في حواضركم وبواديكم، ففي فجر هذا اليوم استكملت مملكتنا وحدتها الاقتصادية والمالية بإزالة فوارق النظام السابق الذي أكرهت عليه قرابة خمسين عاما..).

 يقول الدكتور عباس الجراري وهو يحرر سيرة الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله:(وسعيا الى استكمال الوحدة الترابية واسترجاع بعض الأقاليم، تمت استعادة طرفاية في فبراير 1958. وفي الشهر نفسه، وبالضبط في السابع عشر منه، كسر جلالته بيده في عرباوة حاجز الحدود بين الشمال والجنوب.)(14).ومع أول تقسيم إداري للمملكة سنة 1959 أصبح لعرباوة مكان على خريطة التقسيم الترابي كجماعة قروية.وهي اليوم تسير بخطى ثابتة لتحقيق النمو المنشود والإزدهار المأمول

 

بقلم: محمد الزبيري

مراجع:1

أنظر موقع وزارة الأوقاف

  2المرجع السابق

3أنظر الجزء الثالث من تاريخ إبن خلدون

4موسوعة قبائل المغرب  لمؤرخ المملكة المرحوم عبد الوهاب بن منصور ص 412

5أنظر كتاب الدولة العثمانية عوامل النهضة وأسباب السقوط ص 350 لمؤلفه علي الصلابي

6أنظر بحث الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله عضو أكاديمية المملكة المعنون ب: مدخل لتاريخ عبدة

7أنظر كتاب الإستقصا ج5 ص 15

8أنظر مؤرخ الشرفاء ص251

9أنظر كتاب طبقات الشاذلية الكبرى للحسن بن كوهين

10المرجع رقم 1

11كتاب نشر المتاني ج 2 ص 1179

12أنظر الكتاب الصادر عن مؤسسة سيدي امشيش العلمي سنة 2001بمناسبة تخليد القنيطرة للذكرى 57 لتقديم وثيقة الإستقلال

13مخطوطة:(كباء العنبر من عظماء زيان والأطلس والبربر) الخزانة العامة بالرباط نحت عدد: 946 ص 158

14أنظر نص السيرة في موقع عباس الجراري 

 

جزء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

جزء من لقاء أجرته معي وكالة الأناضول بديوانة الحضاضرة بعرباوة، ونشرته يوم الجمعة 10 أبريل 2015، ونقلته عنها العديد من المنابر والمواقع الإخبارية المغربية والعربية، ومنها جريدة هسبريس الإلكترونية تحت هذا العنوان

:عرباوة" .. ذاكرة الاستعمارين الفرنسي والإسباني تشكو النسيان

ورغم بعض الأخطاء الذي وردت فيه من طرف محرره، كاعتبار جماعة عرباوة بلدية والواقع انها جماعة قروية... لكنني أورده حرفيا باعتبار هذا اللقاء التفاتة إيجابية للمنطقة وتاريخها. كما اوريده بالصوت والصورة تحم هذا الرابط كما نشرته قناة مصر العربية

https://www.youtube.com/watch?v=PQelkYB119w

 

في هذه القرية توجد نقطة حدودية كانت تفصل بين هذين الاستعمارين، وينتقد باحث في تاريخ المنطقة عدم الاهتمام بها، ويدعو إلى إنشاء متحف فيها، لتوثيق قمع المستعمر الأوروبي للمغاربة، وحركة المقاومة

حتى التحرر عام 1956.

لما يقرب نصف قرن، ظل أهل المغرب وزواره يستخدمون وثائق سفرهم أو إذن عبور، للانتقال بين شمال المغرب ووسطه، حتى حصلت البلاد على استقلالها عام 1956، بعدما كان شمالها وصحرائها في أقصى الجنوب خاضعا للاستعمار الإسباني، بينما وسطها خاضع للاستعمار الفرنسي.أشهر نقطة حدودية تقاسم من خلالها الاستعمارين الإسباني والفرنسي (1912 - 1956) التراب المغربي، كانت قرب قرية "عرباوة" شمال أشهر نقطة حدودية تقاسم من خلالها الاستعمارين الإسباني والفرنسي (1912 - 1956) التراب المغربي، كانت قرب قرية "عرباوة" شمال غربي المملكة، والتي زارها سنة 1958 العاهل المغربي آنذاك، الملك محمد الخامس (جد الملك الحالي محمد السادس)، وأزال حواجز الحدود الاستعمارية بين إقليمي القنيطرة والعرائش (شمال).. لكن منذ هذا التاريخ، وتلك المنطقة تشكو نسيانا شبه تام من المسؤولين.

محمد الزبيري، وهو موظف في بلدية عرباوة، وباحث في تاريخ المنطقة، يقول لوكالة الأناضول: "بناية الجمارك القديمة للاستعمار الفرنسي في المنطقة، والتي أرجح أنها بنيت سنة 1912، كان الهدف منها هو ضبط الحدود بين الجانب المستعمر من طرف إسبانيا والآخر المستعمر من طرف فرنسا".

الزبيري (50 عاما)، صاحب موقع "عرباوة" الإلكتروني والمعروف بذاكرة المكان، يمضي قائلا إن "الغاية من تلك البناية لم تكن هي فقط الجمارك، بل أبعد من ذلك، إذ كانت تهدف إلى ترسيخ الهيمنة الفرنسية وإبرازها كما توضح البناية الباسطة لأجنحتها؛ فهذا النمط من البنايات كان غريبا على السكان في ذلك التاريخ، وكان الهدف منه أن تكون بناية مخيفة".

و"اشتهرت نقطة عرباوة الحدودية بكونها الأشد مراقبة، وكان الهدف هو قمع المقاومة المغربية المناهضة للاستعمار، ومنع انتقال المقاومين والأسلحة، حيث كانت البناية محاطة بجنود، وفي مركز عرباوة كان المقر الرئيسي"، بحسب الزبيري.

وفُرض الاستعمار الفرنسي على المغرب يوم 30 مارس 1912، بعد توقيع معاهدة الحماية الفرنسية على البلاد من جانب السلطان عبد الحفيظ، وامتدت فترة الحماية حتى حصول المغرب على استقلاله سنة 1956.

وهو استعمار شمل المنطقة الوسطى بالمغرب، والذي سيطرت عليها فرنسا، بموجب معاهدة فاس، التي جرى تقسيم البلاد بموجبها إلى ثلاث محميات: المنطقة الشمالية والمنطقة الصحراوية في الجنوب، تحت الحماية الإسبانية، والمنطقة الوسطى تحت الحماية الفرنسية، فيما خضعت مدينة طنجة لحماية دولية مشتركة بين فرنسا وبريطانيا وألمانيا ( 1923 - 1956).

وبعد انتهاء الاستعمارين الإسباني والفرنسي، ضرب الإهمال النقطة الحدودية قرب قرية عرباوة، حيث كان يعيش حوالي خمسة آلاف نسمة في عام الاستقلال، زاد عددهم حاليا إلى نحو 41 ألف نسمة.

فهذه "النقطة التاريخية"، بحسب الزبيري، "لم تعرف أي ترميم ولا أي اهتمام، لدرجة أنها أصبحت الآن آيلة للسقوط .. بلدية عرباوة أبلغت الجهات المسؤولة بخطورة الوضع سعيا إلى إنقاذ هذه البناية".

ويتابع بقوله: "بحثت البلدية عن شراكة مع المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية (حكومية)، واقترح المهندسون أن يتم تشييد متحف في هذه البناية ومركبات (أماكن) ثقافية وتجارية، ومحطة للسكة الحديدية تمر من جانبها".

"لكن هذا المشروع الذي تم وضعه قبل سنتين"، بحسب الزبيري، "لا يزال حبرا على ورق، ورغم أن هناك مساع لإخراج هذه الأفكار إلى الوجود، إلا أن التمويل يمثل عائقا".

وعن أوضاع أهالي المنطقة بسبب هذه النقطة الحدودية خلال الاستعمار، يوضح الباحث المغربي أن "الاستعمار، سواء الفرنسي أو الإسباني، كان بطشه شديدا في المنطقة، حيث مارس بحق الأهالي شتى أنواع القمع والبطش؛ لأن عرباوة كانت تعرف رواجا وحركة لرجال المقاومة المغربية وتهريب للأسلحة والذخيرة".

وإنشاء متحف في عرباوة يهدف إلى توثيق تاريخ المنطقة، وما فعله المستعمر بها، فلا يوجد نُصب تذكاري ولا حتى لائحة توثق وتشرح خصوصية المنطقة، باستثناء مجسم للخطاب الملكي لمحمد الخامس، الذي ألقاه في المكان يوم 17 فبراير 1958.

وخرج هذا المجسم للنور عام 2011 بمبادرة مشتركة بين "المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير" و"جهة الغرب شراردة بني حسن" و"المجلس الجماعي لعرباوة" ، تم وضعها عام 2011.

والمجسم على هيئة كتاب مفتوح يحكي صفحات من تاريخ المغرب، ويقدم نص خطاب الملك الراحل، الذي حطم في نقطة عرباوة الحدودية سنة 1958 سياجات الحدود الاستعمارية سنة 1958.

ومن هذه النقطة الحدودية، وبحسب موقع "عرباوة" الإلكتروني، توجه الملك محمد الخامس إلى المغاربة قائلا: "من هذه البقعة التي كانت فيما سبق حدا فاصلا بين شطري الوطن، نزف إليكم بشارة تملأ قلوبكم فرحا، وتهز عواطفكم مرحا، ونزجي نبأ حدث سعيد يدخل البهجة على كل بيت، ويشع المسرات في حواضركم وبواديكم، ففي فجر هذا اليوم (17 فبراير 1958) استكملت مملكتنا وحدتها الاقتصادية والمالية بإزالة فوارق النظام السابق الذي أكرهت عليه قرابة خمسين عاما.

فؤاد وكاد   *

*وكالة الأناضول

 

 

 

عودة للرئيسية

 

zoubairi

 

أطلق هذا الموقع  سنة 2006، آخر تحديث  سنة:2015  جميع الحقوق محفوظة لصاحب الموقع