بسم الله الرحمن الرحيم
الزمان والمكان
احدى لوحاتي التي تمثل قرية الزاوية الحالية,حيث يبدو ضريح الولي الصالح ابي حسن علي بن احمد رضي الله عنه على يسار القرية
لست ادري هل تدخل الحقبة التي عاش فيها شيخنا فيما يمسمى عند المختصين ب :(التاريخ الحديث ) ام هي غير ذلك؟ فقد اختلف علماء التاريخ في تحديد مفهوم مصطلح (التاريخ الحديث). فمنهم من يجزم بانه يطلق على الفترة المبتدئة من القرن 16م الى مابعد , ومنهم من يرى ان التاريخ الحديت قد بدأ مع انطلاق الثورة الفرنسية 1789م؛(1). وسواء كان هذا او ذاك فان جدنا رحمه الله قد عاش في فترة تاريخية فاصلة بما في الكلمة من معنى.
كانت الحقبة التاريخية التي عاش فيها جدنا وشيخنا وقدوتنا رحمه الله فترة انتكاسة وتراجع وانحطاط بما في الكلمة من معنى, رغم ما فيها من ومضات وشهب لمعت ثم غربت مسرعة . ولعل من حكمة الله سبحانه ان يظهر مثل هذا الشيخ الجاد والقطب الفد في هذا الوقت الحالك السواد, ليروي ظمأ المتعطشين لنور اليقين , ولينير درب الحائرين , ويرشد السالكين الى محجة النجاة والجهاد, والتزود ليوم الدين. اننا نتحدث هنا في اطار زمني ينتمي الى جسم الدولة السعدية التي عمرت حسب المؤرخين من سنة:( 961 هـ 1554م )الى سنة:( 1069هـ 1659م).
فمن
المعلوم ان عصر شيخنا هو عصر اقتراب افول نجم الدولة السعدية التي ـ في نظري
المتوا ضع ـ قد أفل نجمها فعليا يوم وفاة المنصور سنة 1012هـ 1603م وان كانت هذه
السنة اي سنة وفاة المنصور يعتبرها المؤرخون بداية العصر السعدي الثاني, عصر انكماش
الدولة والفتن والثورات؛ حيث دب الضعف والوهن في جسد الدولة , وغالب اليأس والجهل
عامة الشعب , وتصارع ابناء المنصور واحفاده على العرش الذي اصبح مبلغ همهم لدرجة
استعانة بعصهم على بعص بالنصارى كما فعل المأمون عند انتقاله الى القصر الكبير
وطلبه النجدة من الإسبان لتمكينه من العرش , على خلفية تلك الاحدات غادر المقري
المغرب متوجها الى مصر, حيث الف هناك كتابه الشهير:(نفح الطيب). (2).,وما محنة
العلماء والفقهاء بخافية على احد عندما اراد السلطان محمد الشيخ فتوى تبيح له تسليم
ثغرالعرائش للإسبان , فخرج هؤلاء العلماء والصلحاء فارين من فاس ؛ ومنهم على سبيل
المثال الفقيه الشهير احمد بن ابي المحاسن يوسف بن محمد بن يوسف الفاسي,
هذا الصوفي الكبير المولود بالقصر الكبير سنة 971هـ
خرج فارا بدينه من فاس الى جبل بوزيري بقبيلة مصمودة قبالة زاوية شيخنا , الى ان
توفي هناك سنة 1021هـ , اي قبل ست سنوات من وفاة شيخنا .(3).وهو على سبيل الذكر من
المعاصرين لجدنا والدارسين على نفس الفقيهين الجليلين: الحميدي والقصار اللذين حضر
دروسهما بفاس شيخنا ايضا.ومن الصور المأساوية العالقة بالدهن عن هذا العصرمافعله
محمد الشيخ السعدي الثائر ضد اخيه ابو العباس الأعرج سنة 951هـ.
ودخوله فاس
,
وغزوه لتلمسان سنة 957 هـ قبل ان ينبري سنة 958هـ للتضييق على الأولياء والفقهاء
والصالحين من ارباب الزوايا خشية من نفوذهم .
ومن ابرز مظاهر هذا التضييق والاضطهاد فرض ضريبة ما يسمى ب :(النايبة) على الزوايا
سعيا وراء اضعاف مؤسستها ؛ وفي احدى الدراسات التي ترصد هذا التضييق والمحاربة
السعدية للزوايا يقول الباحث الفقيه الإدريسي في بحث له منشور بمجلة فكر ونقد:(في
شمال المغرب الذي كان اغلب اوليائه تابعين للطائفة الزروقية تشير كتب التراجيم الى
ان مظاهر الغضب والغليان قد عمت اوساط الزوايا والمراكز الدينية بعد ان الزمهم
الشريف محمد الشيخ باداء النايبة. وقد كانت تلك المواقف مدعاة لإشهار السيف في
وجوههم..)
ومما زاد من تعميق محنة المغاربة وضيقهم وازمتهم في هذا العصر بالذات انحباس المطر
وانتشار الفقر والأمراض.. وهو الظرف الذي استغله اتراك الجزائر فهاجموا الثغور
الشرقية وانتزعوا تلمسان من يد ابي عبد الله الشيخ
وقتلته
عصابة لهم
سنة984هـ. وفي الوقت الذي ايقن فيه محمد الشيخ
هذا
بوفاته اصدر حينا امره الى وليه في مراكش لقتل اخيه ومنافسه على العرش والذي كان
معتقلا لديه هناك هو واولاده
كي لا يتولوا الأمر بعده.
حيث تذكر المصادر التاريخية ان الأمر قد نفد حالا, ورميت جثت
الأخ وابنائه في الطريق !
ولم يجرؤ احد على الاقتراب منها
خوفا من
بطش السلطان
الى ان
دفنت اخيرا في مقبرة الجازولي.
بينما كانت اطماع النصارى تتزايد في الانقضاض على البلاد. فتكالب عليها
البرتغاليون واللإسبان. كامتداد للغزو السابق...فقد
سبق ان استولى الإسبان على مدينة وهران سنة 914هـ وبطشوا بالمسلمين , بينما كانت
مدن الداخل مثل اغادير محتلة من قبل البرتغاليين مند سنة 875 هـ وآسفي سنة 910هـ
والمعمورة سنة 911هـ وبعدها بثلاث سنوات استولوا على مدينة آزمور والدار البيضاء
التي كانت قد سقطت بيد الاحتلال البرتغالي مند سنة874هـ وهدمت وبقيت على حالها الى
سنة 914هـ. وقبل ذلك بقليل كان البرتغاليون قد وضعوا
يدهم على مدينة البريجة... ومما يدل دلالة واضحة على ضعف الدولة وانحلالها ظهور
حركات وشخصيات جهادية بمعزل عن الدولة مثل حركة المجاهد العياشي. فالمصادر
التاريخية تحدثنا ان الملك السعدي الذي عاش جدنا رحمه الله آخر سنواته في عصره هو
الملك زيدان الذي يحكي التاريخ انه قد حكم حوالي 25 سنة لم تخل فيها سنة من الحروب
مع المنافسين له على العرش, بينما كان المجاهدون مثل العياشي وغيره يقاتلون
المحتل على الشواطئ. ذاك هو باختصار شديد زمان قطبنا وشيخنا رحمه ؛ وها انتم
ترون انه فعلا زمن فتن وضعف وهوان؛ وكم كان صاحب (الاستقصا) صادقا في وصفه للأحداث
الجسام التي ميزت هذا العصرعندما قال :(ومنها
ظهور الأولياء واهل الصلاح من الملامتية وارباب الأحوال والجدب , في بلاد المشرق
والمغرب , لكنه انفتح به للمتورين على النسبة وأهل الدعوى باب متسع الخرق , متعسر
الرتق, فاختلط المرعى بالهمل, وادعى الخصوصية من لا ناقة له فيها ولا جمل, وصعب على
جل الناس التمييز, بين البهرج والإبريز.).(4).هذا
هو الزمان اذن, فما المكان ؟ انها قرية الزاوية حاليا او المغاسل قديما بجبل صرصر
شمال المغرب من بلاد الهبط ؛ تقريبا بين مدينة قصر كتامة او القصر الكبير الحالية
التي تعتبر اقدم مدينة في المغرب, ومدينة البصرة المعروفة في المراجع التاريخية
القديمة ببصرة الكتان. والتي هي الآن عبارة عن بعض الأطلال على الطريق الرابطة بين
سوق الأربعاء ووزان. لكن قبل ان نتطرق بالتحديد الى المكان المقصود دعونا نحاول
الاقتراب اكثر من بعض الأسماء التي نصادفها في بحثنا هذا ؛ فمن اين اتت كلمة بلاد
الهبط التي نعني بها المنطقة المنبسطة الواقعة بين جماعتنا ومدينة طنجة تقريبا؟
هناك اقوال كثيرة ونظريات مختلفة كقول بعضهم ان هذا الإسم جاء من الطبيعة
الجغرافية للمنطقة التي تتصف بانها (هابطة) من جبال الريف في اتجاه الأبيض المتوسط
بصفة عامة؛ لكنني ارجح قولا آخر يرى انها سميت بذلك لأنها كانت مهبط الفاتحين مند
فجر الإسلام بالمغرب , و قبلة المجاهدين المتوجهين لقتال العدو في العدوة
الأندلوسية والشواطئ المغربية الشمالية, وذلك قياسا على تسمية قصر مصمودة اوالقصر
الصغيرحاليا مثلا بقصر المجاز, لأن قوافل المجاهدين كانت تنزل به وتجتاز منه الى
العدوة الأندلوسية للجهاد واغاثة المسلمين هناك. اما مدينة البصرة الواقعة جنوب جبل
صرصر فهي المعروفة في المراجع التاريخية القديمة ببصرة الكتان. يقول عنها صاحب
(البيان المغرب في اخبار الأندلس والمغرب) :(اسست
البصرة في الوقت الذي اسست فيه اصيلا . وعلى ثمانية اميال منها جبل يقال له جبل
صرصر , كثير المياه والثمار يسكنه مصمودة. واول من ملكها ابراهيم بن القاسم بن
ادريس نحو اربعين سنة ... ومن اصيلا الى فاس خمسة ايام عن طريق البصرة...).اما
جبل صرصر فمن المؤكد ان تسميته بهذا الإسم قديمة جدا , غير اننا لانعثر لها على
تحديد
ولانعلم لها سببا او منشأ. حتى لغويا نجدها ذات حمولة لغوية غنية بالدلالات
والمعاني كلها تنطبق على هذا الجبل؛ فقولنا ريح صرصر, يعني ريحا شديد البرودة؛ وهو
فعلا جبل تمتاز قمته وفجاجه برياح باردة على طول السنة. وعند استنطاقنا للكلمة
نجدها في القرآن الكريم في قوله تعالى:( كمثل ريح فيها صر) (5) وكذا قوله سبحانه :(
وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية).(6)
. وقوله جل جلاله:(
إنّا
أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر)(7
). وكلها سواء اتت مفتوحة او مكسورة او مضمومة تدل على البرودة والشدة, وكأننا
نشعر باصطكاك الأسنان ونسمعها. قال جار الله الزمخشري:«
الصر الريح الباردة نحو الصرصر ، وفيه أوجه :
أحدها
: أن الصر في صفة الريح بمعنى الباردة ، فوصف بها القرة بمعنى فيها قرة صر ، كما
تقول : برد بارد على المبالغة . الثاني : أن يكون الصر مصدراً في الأصل بمعنى البرد
فيجيء به على أصله .
الثالث : أن يكون شبه ما كانوا ينفقون بالزرع الذي جسه البرد فذهب حطاماً).(8)
. وقد تعني ايضا الصوت الشديد فان قلنا صرصر الصقر معناه صاح بقوة, وصر الباب احدث
صوتا, وهنا تتوارد الى دهني أ صواة مألوفة لدي طالما صرصرت فوق رأسي وانا على قمة
ذاك الجبل ؛ انها اصوات طائر العوسق الساكن دائما وابدا في قمة جبل صرصر وهو يصدر
صوته الذي هو عبارة عن صرصرة . اما المنجد فجاء فيه تحت مادة صر:(
الصرصر من
الرياح : الشديدة الهبوب او البرد ، و صرصر الرجل : صاح شديدا ، و سمي الصرصور بذلك
لانه يصيح صياحا رقيقا في الليل
). اما عن
قدم التسمية فيكفي ماذكرنا ويكفي ان نضيف ان الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة عند
وصوله في رحلته الى بغداد وحلوله بقرية صرصر , وهي قرية تاريخية معروفة على بعد
ميلين من بغدا واليها ينسب الشاعر المداح المشهور المعروف: جمال الدين الصرصري
المتوفى سنة 656هـ , اقول قد قال ابن بطوطة عندما وقف عليها :(..لقيت
بها فقيها من أهل بغداد كبير القدر يعرف بالصرصري, نسبه الى بلدة على مسافة عشرة
أميال من بغداد في طريق الكوفة. واسمها كاسم صرصر عندنا بالمغرب.).(9).
ومن المعلوم ان رحلة ابن بطوطة بدأت من طنجة سنة 725 هـ. غير ان المراجع التاريخية
تخبرنا ان تسمية جبل صرصر بهدا الإسم اقدم من ذلك بكثير؛ فهاهو صاحب أعلام القصر
الكبير مثلا, واتناء ترجمته لأبي القاسم اسماعيل بن الحسن الصرصري يقول :(وهو
في الواقع أقدم شخصية علمية مذكورة في تاريخ القصر , اذ جبل صرصر واكمته تطل على
مدينة القصر وهي من أعماله وقد ورد ذكر هذه الشخصية العلمية عند الأستاذ عبد العزيز
بن عبد الله في الموسوعة وذكر انه توفي سنة 403هـ على ما عثر عليه في كتاب( شذرات
),الجزء الثالث.(10)
وهو ما
يدل على قدم التسمية . وللمزيد من المعلومات عن صرصر يمكن الرجوع الى (الترجمانة
الكبرى )ص:477 وكذا (معلمة المدن والقبائل ) ص:293.
هذا عن كلمة صرصر, فماذا عن قرية الزاوية الحالية قرية المغاسل قديما؟ ان تسمية القرية بالزاوية حديث نسبيا, ولم يطلق على هذه القرية الا بعد ان اتخذها سيدي علي بن احمد زاوية له. وكلمة الزاوية لغة تعني الركن من البيت او غيره ,واصطلاحا كما عرفتها دائرة المعارف الإسلامية :(مدرسة دينية ودار مجانية للضيافة .)(11). ومن المعلوم ان انتشار زوايا التصوف شرقا قد بدأ سنة 150هـ , اما في المغرب فيرجح البعض انها قد بدأت مند سنة 180هـ تقريبا. وان كانت الزوايا كمؤسسات منظمة مضطلعة بدورها التربوي الديني الروحي والجهادي لم تبرز بهذه الصورة بالمغرب الا ابتداء من القرن الخامس الهجري . فالزاوية كانت تعني ركن الله الذي يختلي فيه المتصوف للعبادة والذكروالتفكر في ملكوت الله. قبل ان تصبح ملادا للخائفين والمستجيرين ومأوى للفقراء والمحتاجين وابناء السبيل, ومرتعا للمريدين وطلاب العلم والراغبين في سلوك الطريق الموصل الى الأسرار الإلهية, والاقتباس من شيوخ الطريقة الماسكين بناصية الحقيقة. وهكذا اتسع مجال عمل الزاوية يوما عن يوم حتى اصبحت تـُخرج بلإضافة الى الزاهدين الناسكين المصلحين والمربين الآمرين بالمعروف والناهون عن المنكر, افواج المجاهدين المرابطين المدافعين عن بيضة الدين وحرمة الأنفس والأوطان. ولم يخرج تأسيس زاوية الولي الصالح الزاهد الناسك التقي السالك ابي الحسن عل بن احمد افاض الله علينا من بركاته عن هذه المبائ؛ وان كنا لانعرف بالضبط سنة تأسيسها الا ان المصادر الموثوقة تجمع على ان صاحبها رحمه الله قد اسسها مباشرة بعد مشاركته في معركة وادي المخازن. فقد ورد في( معلمة المغرب) ما نصه:(انتقل سيدي علي بن احمد بعد وفاة شيخه عيسى بن الحسن المصباحي الى جبل صرصر, وسكن بمدشر المغاصي وتصدر للتدريس , ويظهر انه اسس زاويته بنفس المكان بعد معركة وادي المخازن , ولانستبعد مشاركته في هذا الحدث بحكم قربه من الميدان وملازمته لشيخه المصباحي الذي اكدت المصادر مساهمته في الجهاد.)(12).غير اننا لانستطيع ان نجزم هل هذا انتقاله الأول الى قرية( المغاس او المغاص او المغاسل) ـ كما وردت بهذه الأسماء الثلاث في كتب التاريخ ـ ام انها كانت فقط عودة الى بلدة كان مستقرا فيها من قبل؟ لآن ما نستنتجه من بعض النصوص التاريخية قد يستفاد منه ان الشيخ رحمه الله ربما كان مستقرا بهذه القرية مند طفولته تقريبا. جاء في نشر المتاني وهو ينقل عن ممتع الأسماع: (...وأخذ عن سيدي يوسف الفاسي وكان يصبح كل يوم عنده بالقصر من منزله خارج المدينة, لا ادري بصرصر او غيره...)(13). لكننا في هامش نفس الصفحة لنشر المثاني وتحت عدد:5 نجد القادري ينقل لنا تعليقا من طرة (ممتع الأسماع) جاء فيه:(ومن الشائع بين المسنين من اتباع اصحابه انه رحل وساح في بلاد المغرب ولقي جماعة من الأشياخ الأحياء منهم والأموات, ودخل فاسا وحضر درس رضوان القصار , واقام بها مدة , ثم رحل الى بلاد اللنجرة فمر بأسجن ووزان والقصر الكبير , ثم جبل صرصر من بلاد مصمودة , فأعجبه المقام بها واستوطن واستقر به واشتهر امره .)(14). وسواء كان هذا اوذاك فان الثابت هو ان القرية قديمة معروفة كما اسلفنا في كتب التاريخ والتراجم بالمغاص او المغاس او المغاسل؛ فقد استهل القادري في المرجع السابق حديثه عن شيخنا بقوله:(ومنهم الولي الكبير العارف الشهير ابو الحسن علي بن احمد دفين مدشر المغاص بجبل صرصر..).(14). اما جغرافيا فان المتأمل في المناطق المحيطة بقرية الزاوية الحالية لتطرق أسماعه لحد اليوم كلمة: (المغاسل) حيث يطلقها الأهالي على منطقة شمال القرية تبعد عنها ببضع مائات من الأمتار. هي الآن منطقة منحدرة يعبرها واد معروف لحد الآن باسم (واد المغاسل) , بها بساتين مغروسة بأشجار الزيتون , معروفة بهذا الإسم في صكوك الملكية القديمة والحديثة التي بيد ابناء قرية الزاوية وغيرهم؛وعبد ربه الضعيف يملك بها ما يزيد على الأربعين شجرة قديمة من اشجار الزيتون تعرف بزيتون المغاسل..وانطلاقا من هذه المعطيات ومراعاة لعامل آخر ,ارجح شخصيا ان يكون الإسم السابق للقرية هو المغاسل, فاذا ماتأملنا النص الوارد في( البيان المغرب) الذي يقول:( اسست البصرة في الوقت الذي اسست قيه اصيلا . وعلى ثمانية اميال منها جبل يقال له جبل صرصر , كثير المياه والثمار يسكنه مصمودة.) واذا قارنا ذلك بما ورد في لسان العرب عن معنى كلمة المغاسل:(..المغتسل الموضع الذي يغتسل فيه, وتصغيره مغيسل والجمع مغاسل ).[وهو نفس قول صاحب تاج العروس] .من هنا يبدو لي ان أصل كلمة المغاسل التي كانت تطلق على المدشر الذي استوطنه سيدي علي بن احمد واتخذه زاوية له فيما بعد انما اطلقت عليه لكثرة مياهه ومغاسيله. وان كنت اشك ان الموقع الحقيقي لقرية المغاسل ربما كان في هذا المكان المعروف لحد الآن باسم المغاسل .وذاك موضوع آخر يحتاج الى بحث ميداني وتدقيق اركيولوجي , ما يعنينا هنا هو ان زاوية هذا الولي الصالح قد اسست مباشرة بعد معركة وادي المخازن اي حوالي سنة 1578 م , أي قبل ما يزيد على الثلاثين سنة من وفاة صاحبها رضي الله عنه. ولا زال الى اليوم منزله معروفا بها الى جوار مسجده .فقد اصبحث زاويته اثناء حياته وبعد مماته رحمه الله ملجأ لطلاب مختلف العلوم والفنون وقبلة لفلول الأولياء والمتصوفين والأتباع والمريدين. اذ زاره فيها كبار العلماء والصوفية مثل الشيخ عبد الرحمان المجدوب ومحمد بن احمد الفاسي (16)وغيره . ولا أدل على اهميتها من قول معلمة المغرب عنها :(اشتهرت الزاوية الصرصرية باطعام الطعام وتدريس العلوم الدينية كالتوحيد والفقه والتصوف والتفسير والحديث والمنطق والبلاغة والبيان والمعاني والبديع واللغة والتنجيم ... وذلك على غرار باقي الزوايا الهبطية . وتجاوز اشعاعها النطاق المحلي بدليل وجود اتباع من مختلف مناطق المغرب.).(17). وان بعض ماورد في معلمة المغرب فيه نظر ويحتاج في جانب منه الى تمحيص وتدقيق,بل والى تصحيح احيانا ؛ حيث تقول :(ولعل اختيار سيدي علي بن احمد للشريف العلمي في توريث الولاية له ما يبرره في المصادر , ذلك ان الشيخ شعر بضعف مصداقية ابنائه الذين مالوا الى الفروسية والإهتمام بأمور الدنيا حسب رواية عبد السلام القادري . وقد كان لهذا الانتقال تأثير سلبي في مسار الزاوية الصرصرية , حيث انها تعرضت للإهمال , واندثرت معها قرية المغاصي الى ان قام الشرفاء الوزانيون بتجديد ضريح الشيخ سيدي علي بن احمد .وبنوا عليه قبة وعملوا على ترسيم حرمه , فتكونت حوله قرية الزاوية الحالية..).(18) ودون الخوض في دواعي توريث الولاية لتلميذه مولاي عبد الله الشريف بدل ابنائه ,لأن هذه مسألة غيبية ولا تفترض بالضرورة انتقال الولاية الى الأصلاب , بدل الطلاب , وغير صحيح بالمرة تعميم الحكم على ابنائه باهتمامهم بالدنيا والوفروسية.. بدليل وجود صالحين منهم وعلماء ومدرسين , منهم من تصدى للتدريس آنذاك بفاس. بعضهم حظي بالتقدير والاحتلاام سواء من من عامة الناس أو من أهل فاس أو حتى من أقطاب الزاوية الوزانية نفسها , ويكفي ان نذكر قصة واحد منهم مع أحد اقطاب الزاوية الوزانية وأهل فاس ؛ انه سيدي العربي الصرصري , دفين فاس,. فقد جاء في سلوة الأنفاس تحت عدد 242, ويحت عنوان: ( الشريف سيدي العربي الصرصري) ما نصه:(ومنهم السيد الصالح البركة , أبو حادمد سيدي العربي الشريف الحسني الصرصري, من ذرية الشيخ الإمام العارف بالله أبي الحسن علي بن أحمد اللنجري الصرصري نزيل مدشر المغاصي من جبل صرصر من قبيلة مصمودة كتامة ؛ من بلاد الهبط , وبه دفن. كان صاحب الترجمة رحمه الله رجلا صالحا سنيا , أخذ عن القطب مولاي التهامي [252] الوزاني , ولزم خدمته , واستأذنه في السكن بفاس, فأذن له؛ فاشترى دارا بدرب الحرة من طالعة فاس, واستقر بها , وشكى الى مولاي الطيب كثرة العيال والفاقة ؛ فأمر مقدمه على قبيلة حجاوة ان يعطيه الهدية التي يجمعها اليه عند قصدهم زيارته في كل سنة, كما هي العادة عندهم , فكان يفعل ذلك , وكانت القبيلة المذكورة تحرث له التوائز, واستمر فعلهم معه على ذلك الى ان توفي بفاس. ولما مرض وضعف , أرسل الى مولاي الطيب بوزان يعلمه بخبر ضعفه, وطلب منه ان يكتب الى أهل فاس يتركونه يدفن بداره ؛ لكونه طلب منهم ذلك فامتنعوا ؛ فأرسل مولاي الطيب اليهم بالكلام , فقبلوا . ولما توفي دفن بها. قال الشيخ سيدي محمد بن الخياط القادري في تأليف له في مناقب مولاي عبد الله الشريف الوزاني :"وقد زوته بها مرارا بعد بيع ورثته لها لغيرهم". قلت وهي بالدرب الكائن فوق ضريح سيدي محمد بن ابراهيم الخياطي , بالزنقة الكائنة به, يسار الخارج منه لدرب الحرة تقابل الداخل, وقد صار محل ضريحه منها خارجا عنها , ودفن معه فيه بعض الأموات... وهو مزار متبرك به الى الآن.) انظر سلوة الأنفاس ص: 282. هذا باختصار نموذج لأبناء شيخنا الكبير , ومثال يدل دلالة واضحة على مكانتهم واستمرارهم على نهج والهدم , وحتفاء أقطاب دار وزان بهم عبر الأحقاب .فعلا كان لانتقال الولاية الى وزان تأثير سلبي على زاوية صرصر , لكن غير صحيح بالمرة اندثارها كما تزعم المعلمة (واندثرت معها قرية المغاصي الى ان قام الشرفاء الوزانيون بتجديد ضريح الشيخ...فتكونت حوله قرية الزاوية الحالية) .حقا ان نتقال الولاية الى وزان قد اثرعلى مستقبلها لكنها لم تتوقف ولم تندثر, ويكفي ان نعلم انه بعد مرور مدة طويلة على وفاة شيخها ومؤسسها كان لا يزال اشعاعها يخترق الآفاق, ويقصدها عظماء عصرهم من طلاب العلم , ويكفي ان نذكر هنا احد اعلام هذه الفترة وهو الصوفي الكبير والشاعر الشهير احمد بن عبد القادر الملقب بالتستاوتي قد شد الرحال الى زاوية صرصر قادما اليها من ناحية زعير بعد حوالي ثلاثة واربعون سنة من وفاة شيخها رحمه الله , وهذا اكبر دليل على مكانتها العلمية وبقائها. ويبدو ان تواجد التستاوتي بها قد صادف مجاعة و ضيقا , حيث خلد ذلك في شعره بقوله:
وحدنا لأوطان بها كان جدنا """"""""""""""" وفيها شرعنا للقراءة والذكر
الى ان بلغنا واشتغلنا بأخذنا """"""""""""""" العلوم وبان النور من طالع الفجر
فحلت بنا اعوام عسر تتابعت """""""""""""" ومن أجاها استوطنت ناحية القصر
وكنت بها في صرصر متمعشا """""""""""" احن لأوطاني بعيدا عن الصبر(19)
ومن الفقرات الغير الدقيقة الواردة في معلمة المغرب والمحتاجة الى تمحيص واعادة النظر ما نصه:(ولعل التفاتة الوزانيين نحو شيخ جدهم هي التي ضمنت استمرار سلطة الولي الروحية في قبيلة صرصر , وضمنت لأبنائه السند المعنوي المتجلي في الحرمة والوقار من طرف المخزن العلوي , فهؤلاء اصبحوا ينعثون في المراسلات المخزنية بالشرفاء اولاد سيدي علي بن احمد .).(20).والواقع ان السلطة الروحية للولي في المنطقة واستمرارية الاحترام والوقار لأبنائه من بعده لم تكن نتيجة اعادة بناء ضريح او التفاتة وانما هي اخلاق وقيم رسختها مكانة هذا القطب العلمية والصوفية وزكاها نسبه الواضح وسلوكه وسلوك ابنائه من بعده , وكفاحهم للحفاظ على مكانة جدهم وتزكية مابيدهم من ظهائر سلطانية . ولا ادل على ذلك من عقد النسب الذي بأيدينا والذي يرجع تاريخه الى 15 شعبان 1122هـ . وهو الوهج الذي لم يخب قط في نفوس الساكنة من الدواوير والقابائل المجاورة التي ظلت تحيطه وابناءه بالبرور والتعظيم والإجلال والتكريم .لازلت أذكر وأنا طفل صغير وحتى وأنا شاب يافع , كيف كانت تغص الزاوية والضريح ومنزل هذا الشيخ في ذكرى المولد النبوي الشريف من كل سنة بمائات الزائرين , حيث تتقاطر الوفود الممثلة للدواوير من مختلف القبائل المجاورة, مهللة مكبرة , قادمة من كل فج عميق , شيبا وشبابا , ذكرانا واناثا, فيستقبلهم الشرفاء, بكل حفاوة وتكريم , ويكرمونهم ويدعون لهم بالخير العميم.. حقا ان هذه العادات قد بدأت تخبوا شيئا فشيئا ولم تعد تحافظ عليها الابعض القرى المجاورة للزاوية, لكن مظاهر الإجلال والتكريم , والاحترام والتعظيم لأبناء واحفاذ هذا الشيخ لدى سكان القبائل المجاورة لم تنقطع قط.. وهو السلوك الذي استمر بمختلف الأشكال الى الآن , بمعزل عن موقف المخزن من هذا الولي وعشيرته.فالثابت ان القرية لم تندثر قط ولم تخل ابدا من سكانها من ابناء واحفاد هذا الولي مند ان اتخذها زاوية له الى يومنا هذا, باستثناء فترة من سنة 1925م حيث تعرضت للقصف بالطائرات والمدفعية الفرنسية فهدمت واحرقت تماما , لإيوائها بعض المقاومين كما يشهد بذلك الأهالي ويشهد بذلك الأرشيف الرسمي الفرنسي. وسأعود الى ذلك بالتفصيل لاحقا ان شاء الله .وأشير بالمناسبة الى ان بعض الروايات المتواثرة بين أحفد الشيخ من أبناء القرية تذكر ان خزانة هذا القطب الشهير كانت حافلة بعيون الكتب النادرة وأمهات المراجع الفاخرة , قبل ان تنقل مع بعض أبنائه وأحفاده الى فاس وغيرها, وينقل ما بقي منها الى دار و زان . وكان الحريق المذكور اعلاه هو الذي أتى على البقية الباقية من كنوز الكتب والمخطوطات التي كانت تزخر بها خزانه سواء تلك التي من تأليفه او تاليف غيره مع الأسف.
ان الوقائع التاريخية والسلاسل العشائرية المتواترة من فروع وأصول متعاقبة الى ابناء هذا الولي الصالح المعروفين بالإسم والمسكن والمدفن , ومابأيدينا من ظهائر ملكية متعاقبة رسمية مسجلة , وما نصت عليه شجرة النسب التي بين ايدينا الآن ,كل ذلك يزكي ما نقول ويثبت ان القرية كانت عامرة دائما , فقط خبا وهج زاويتها بعد انتقال الولاية الى دار وزان . ولا بأس ان نقتطف هذه الفقرة من شجرة النسب المديلة بتوقيع وتعريف عدول وقضاة شتى :(...ثم انتقل الشيخ سيدي علي المذكور الى قبيلة صرصر واستوطنها الى ان توفي بها رحمه الله ورضي عنه وقبره لازال بها مشهور ومقصود للزيارة واستقر اولاده الى الآن بها ماعدا السيد العربي بن السيد محمد وابن عمه الأستاذ السيد احمد الخضر المذكورين اعلاه فانهما قاطنان بمدينة فاس حرسها الله ...وان الشرف الحسني مازال من نعوثهم قديما وحديثا اليه ينتسبون وبوسمه يتوسمون لم يزالوا ملاحظين بالبرور والتعظيم والإجلال والتكريم من غير طاعن عليهم في الحديث ولا في القديم ..).(21).
صورة لما بأيدينا من ظهير علوي شريف, موقع من طرف الملك المجاهد محمد الخامس , وهو عبارة عن تجديد لظهائر اخرى صادرة من اجداده قدس الله ذكرهم لأبناء هذا الولي الصالح كما ينص على ذلك نص هذا الظهير صراحة.
أما ماتشير اليه معلمة المغرب من التفاتة الشرفاء الوزانيين لضريح شيخهم واعادة بنائه, فان ذلك قد حدث فعلا , ولكن قطعا لم تكن القرية خالية ولا مندثرة , فقط تم تجديد بناء الضريح مرارا كما اعيد بناؤه بعدما تعرض للقصف الفرنسي وتهدم سنة 1925م ؛ وهنا بالمناسبة اريد ان افتح قوسا لأرد على بعض من يتهم الزوايا بصفة عامة بمساندة المستعمر ومحاولة تشويه صورتها الجهادية الناصعة ؛ فقد قرأت في بعض المنابر ذات الصبغة الطائفية كلاما مخجلا يروم تزوير التاريخ؛ حيث يصفون الزوايا بالعمالة ومساندة الاستعمار ضد بعض المقاومين مثل الأمير عبد الكريم الخطابي , مع العلم ان الزاوية التي نحن بصددها ـ زاوية صرصر ـ قد ساندت وآوت بعض المجاهدين وكانت ملجأ لهم , اذ لا زالت الروايات بين ابناء هذه القرية تتواثر عن لجوء عدد من مجاهدي الريف بأسلحتهم الى زاوية سيدي علي بن احمد بصرصر وتحصنهم داخلها وخصوصا بكهف لازال هناك , وبمنزل هذا الشيخ وضريحه , ودعمهم من طرف احفاذه , لدرجة ان المستعمر الفرنسي قد قصف القرية بالمدفعية البعيدة المدى , مركزا على ضريح الشيخ ومنزله انطلاقا من ثكنة قرية (الحمارة ) على بعد حوالي عشرة اميال تقريبا, بقبيلة مصمودة المقابلة لزاوية شيخنا . ولم يكتف المستعمر بذلك بل قصف القرية بالطائرات ؛ وهو ما يعرف لدى السكان الى الآن ب(عام الهربة) كما يروي لنا بعض المسنين من الآباء والأجداد بعضهم عاش الحدث وهو طفل, وكما تلقى البعض الآخر ذلك عن آبائهم , بل ان اثر هذا الهجوم لازالت بادية للعيان الى حد الآن؛ ففي منزلنا مثلا بنفس القرية باب خشبي متين قديم, لا زال لحد اليوم تبدو عليه آثار الحريق , كانت الوالدة رحمها الله توليه عناية خاصة , وتطليه بالجير دائما ؛ كانت تحدثنا كما تلقت ذلك عن الجدة انها هربت مع كل اصحاب القرية في اتجاه الجبال المجاورة لضريح مولاي عبد السلام بن مشيش فرارا من قصف الطائرات الفرنسية للقرية, وعندما انتهى القصف وعاد السكان لتفقد مساكنهم وأمتعتهم لم تجد هذه الجدة لمنزلها من اثر سوى هذا الباب الخشبي الشبه محترق. انني لا اروي هذه الحكاية من باب التسليه او الثرثرة, ولكن لأدحظ مزاعم المفترين على الزوايا , فلو كانت الزوايا عميلة للاستعمار لكان اولى بزاوية صرصر ان ترفض ايواء المجاهدين وتتجنب التعرض للقصف بالطائرت والمدفعية , خصوصا وان موقعها بجبل صرصر كان بعيدا عن ساحة الوغى في الريف.. اعلم ان ماذكرته عن لجوء المجاهدين الى زاوية صرصر ربما يكون جديدا على البعض, واعلم ان ما رويته عن قصف هذه القرية بالطائرات الفرنسية سنة 1925م قد يكون جديدا على البعض الآخر , ولكنها حقائق ثابتة يعرفها الخاص والعام من سكان الزاوية والقرى المجاورة ,فقط سكان القرية وسيرا على نهج جدهم وقدوتهم الذي ادى واجبه لكنه سعى جاهدا للبقاء بعديدا عن الأضواء , كذلك ابناؤه واحفاذه وهم ينصرون اخوانهم المجاهدين في سبيل ,الله لم يكن هدفهم عرضا من عرض الدنيا او ذكر اسمائهم , وانما مرادهم القيام بالواجب الديني والوطني, وهكذا ساروا على ذاك النهج الى ان تحرر الوطن ؛ وحتى عندما تسابق المتسابقون على الألقاب وجني ثمار الاستقلال بادعاء الكثيرين الانتماء الى صفوف رجال المقاومة, ترفع المقاومون الحقيقيون من ابناء هذه القرية عن التسابق والتزاحم ؛ وبقيت اسماؤهم خارج سجل رجالات المقاومة , محفوظة في سجل من اشترى من المومنين انفسهم واموالهم بأن لهم الجنة. فتلك حقائق تاريخية لكنها فقط لم تنصف ولم تنل حظها من عناية المؤرخين والباحثين ؛ وحتى ادعم قولي بحقائق دامغة وحجج لامعة , دعوني اضع بين ايديكم هذه الوثائق التاريخية التي لا زال يحتفظ بها الأرشيف الفرنسي الرسمي عن الحدث. من خلال يوميات ومراسلات وبرقيات ضباطه وجنوده مباشرة من عين المكان.
الوثيقة الأولى:
الوثيقة الثانية:
الوثيقة الثالثة :
اظن ان الوثائق تتحدث عن نفسها دون لبس او اشكال , وتزكي بكل قوة ما ذهبنا اليه بشكل لا يماري فيه الاجاحد و لا ينكره الا مكابر حاقد.
وفي الختام لا باس من هذه الوقفة المتأملة عند الهندسة الرائعة لضريح هذا الولي الصالح.
رسم توضيحي من الأعلى (نظرة الطائر) للضريح تظهر فيه القباب الخمس
ان الشكل الهندسي للضريح في حد ذاته , المتميز بقبابه الخمس ـ والذي يعتبر بناء ضخما بكل المقاييس اذا ماراعينا عامل الزمان والمكان ـ يشكل تحفة معمارية رائعة قل نظيرها. فرغم التقشف الملاحظ على البناء العاري تقريبا من أدوات الزينة بالنسبة للعناصر الزخرفية , والذي دعت اليه ولا شك صوفية المقام , وشخصية صاحبه رحمه الله الذي عرف بنهج الزهد, والتقشف, والإعراض عن العاجلة , والرغبة في الآجلة ؛ الا انه يتميز بجمال خاص يتجسد في احترام المهندس الدقيق لعناصر التناسب والوحدة والتنوع ؛ مما يظفي على الضريح جلالا وبهاء وعظمة تجعل الناظر اليه او الداخل اليه يستشعران معا عظمة صاحبه. كما ان تميزه بقبة مضلعة كبيرة , تتوسطه وتقع مباشرة فوق القبر المبارك على ارتفاع شاهق, مقامة على قاعدة مربعة بارزة فوق السطح ,محاطة بأربع قباب أخرى من نفس الصنف وعلى قواعد هندسية مماثلة , لكنها أصغر من الأولى , مع التزام ملحوظ بقواعد الجمال المتمثلة في مبدأ التماثل و التناسب, والوحدة والتنوع , سواء تعلق الأمر بعلاقة القباب ببعضها في شكلها , او بأبعاد البناء ككل, ومراعاة علاقة الكل بالجزء وتكامل العناصر فيما بينها في وحدة هندسية متكاملة , تنم عن حس فني صوفي فريد , ومقدرة هندسية نادرة لمهندس ملم بدقائق هذا الفن . وان ما أثارانتباهي خاصة احترام وتطبيق هذا المهندس البارع حتى لأدق قواعد علم الجمال في هذا الباب , مثل ما يسميه المختصون:( تدوير المربع وتربيع الدائرة). فلو تأملت القواعد الهندسية المربعة الحاملة للقباب فوق البناء للاحظت ان المهندس قد حدب زواياها الأربع بشكل طفيف , وجعل المتفحص لها يلاحظ انها اقرب الى المثمن منه الى المربع ( تدوير المربع)؛ كما جعل القبة فوقها مضلعة لتتناسب مع هذه القاعدة (تربيع الدائرة ). وحتى لايكون هناك نشوز في الشكل او تنافر بين عناصره. [انظر الصورة أعلاه ].ويحضرني الآن تساؤل احد المتسائلين عن السر في بناء خمس قبات فوق هذا الضريح, ولمحاولة الإجابة عن هذا السؤال دعونا نورد هذا النص الوارد في معلمة التصوف للأستاذ الكبير عبد العزيز بن عبد الله: (وقال الشيخ سيدي أحمد التيجاني في الإفادة الأحمدية :" أدرك منهم ـ أي شرفاء وزان ـ خمسة القطبانية , وهم مولانا عبد الله الشريف وابناه مولاي التهامي ومولاي الطيب وابنه مولاي أحمد بن الطيب.").(22).انتهى النص. ولعلنا لاحظنا ان الأستاذ الباحث نقلا عن سيدي أحمد التيجاني ذكر ان الأقطاب خمسة ولكنه ام يذكر الا أربعة, ولعله يقصد ان الخامس هو شيخ صاحب الزاوية الوزانية سيدي علي بن أحمد.صاحب هذا الضريح؛ فاذا علمنا ان هذا البناء البديع قد بناه شرفاء وزان احفاد الأقطاب الأربعة الذين ذكرهم التيجاني عرفنا سر بناء القبات الخمس فوق الضريح والتي تعني ـ حسب رأيي المتواضع ـ ان القبات الأربعة الصغرى المحيطة بالخامسة الكبيرى تشير الى الأقطاب الأربعة المحيطين بشيخهم سيدي علي بن أحمد الصرصري . والله أعلم.
بقلم: محمد الزبيري
المراجع:
(1) انظر كتاب : منهج البحث التاريخي .ص : 59 . تأليف : حسن عثمان .الناشر : دار المعارف. ط 8 لسنة:2000
(2) انظر: (رسالة المقري). ص: 6
(3) انظر موسوعة طبقات الفقهاء . ج :11
(4) كتاب الاستقصا. للناصري
(5) آل عمران الآية 117
(6) الحاقة الأية 6
(7) القمر 19
(8) انظر الكشاف للزمخشري ج1 ص 457
(9) انظر كتاب: رحلة ابن بطوطة
(10) كتاب أعلام القصر الكبير تأليف محمد بن عبد الرحمن بن خليف. ص:147
(11) دائرة المعارف الإسلامية. المجلد 10. ص:332
(12) انظر معلمة المغرب. ج:16. ص:5531
(13) انظر نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني. للقادري . تحقيق ممحمد حجي واحمد التوفيق. ج:1.ص:1030
(14) هامش نفس الصفحة اعلاه
(15) المرجع السابق
(16) موسوعة اعلام المغرب ج 4 ص : 1089
(17) المرجع رقم : 12
(18) المرجع السابق
(19) كتاب: الكتابة الصوفية في ادب التستاوتي. تأليف د. احمد الطريبق . ص : 951
(20) المرجع رقم 12
(21) فقرة من شجرة النسب التي بيدنا
(22) معلمة التصوف الإسلامي ج 2. ص:116 ـ 117
أطلق هذا الموقع سنة 2006، آخر تحديث سنة:2013 جميع الحقوق محفوظة لصاحب الموقع