بسم الله الرحمن الرحيم
(انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)
صدق الله العظيم
قبل البداية
لقد قمنا بتحرير ونشر هذه الصفحات المباركة عن هذا القطب الشهير بموقعنا المتواضع مند أن أنشأناه سنة 2006؛ وكان علينا ان ننتظر أربع سنوات كاملة بعد ذلك، حتى نهاية سنة 2010م، لنرى ونسمع شيئا عن هذا الولي الصالح لأول مرة على شاشة التلفزة المغربية، حلقتان رغم ما اعتراهما من نقص وتقصير ، فقد اعتبرها بعض أحفاده والغيورين عليه، وبعض العارفين قدره، نوعا من الإنصاف، وردا للاعتبار لهذا القطب الأشهر الذي طالما تم تجاهله.. وكان ذلك من خلال البرنامج الناجح والرائع (مقامات صوفية)، لصاحبه الأروع الأستاذ أحمد الخليع جزاه الله خيرا، والذي سبق أن كاتبته قبل ذلك في هذا الشأن ومند سنة 2008، من خلال برنامجه عبر موقع القناة الثانية . واقترحت عليه تخصيص إحدى حلقات برنامجه الناجح لهذا الولي الصالح المحتاج إلى التعريف به. وسواء أتت مبادرته هذه استجابة لطلبنا أم بناء على اعتبارات أخرى فقد أتت في محلها ووقتها لتسد فراغا،و خص هذا الولي الصالح بحلقتين متتابعتين من البرنامج، بثتا يومي 12 و19 نونبر 2010م . غير أن عددا غير قليل من أحفاد هذا الولي الصالح، سواء القاطنين منهم بزاويته، أو من هم خارجها داخل ربوع الوطن وخارجه، أعربوا لنا عن أسفهم وانزعاجهم من شح المعلومات المقدمة عن هذا القطب الكبير؛ والفقر الواضح في الصور المقدمة من خلال البرنامج عن زاويته، وغياب أو تغييب أي وجه من وجوه أبنائه وأحفاده . إذ كان بإمكان البرنامج أن يقتفي أثر التاريخ على الأقل بالتجول داخل الزاوية، ويزور منزل هذا الولي الصالح بها، ومسجده ونبع مائه المتدفق هناك .. وكان بإمكاننا أن نطلع البرنامج عن ما بحوزتنا من وثائق هامة في هذا الشأن كشجرة النسب، وظهير الشرف.. بل وبكل تواضع، إن المعلومات الواردة بهذا الموقع ـ لو اطلع عليها صاحب البرنامج ـ أظن أنه كان بالإمكان أن تسد بعض الفراغ الذي ساد بعض لحظات البرنامج ... أما سكان قرية هذا الولي الصالح فيأسفون لكونهم لم يعلموا بزيارة البرنامج لقريتهم إلا عند مشاهدتهم له عبر شاشة التلفزة، والقلة القليلة التي رأت طاقم التصوير لم تعلم سبب حضوره... ومهما يكن من أمر فإن البرنامج مشكورا، قد لفت الانتباه إلى هذا الطود المنسي
احدى صور ضريح سيدي علي بن أحمد بصرصر، التي التقطتها لشاشة التلفزة أثناء عرض برنامج مقامات صوفية
تمهيد الحمد لله الذي هدى عباده الصالحين للتمسك بحبله المتين, والهمهم كلمة التقوى , ونور طريقهم بنور اليقين, حتى ابصرت قلوبهم الحقيقة التي عميت عنها بصائر الغافلين؛ وكان الله عز وجل سمعهم وبصرهم وسائر جوارحهم , فكانوا قرءانا يمشي , ونجوما تهدي الحائرين. والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين, الصادق المصدوق الأمين, الذي جاء بالهدى ودين الحق, رحمة وبشرى للعالمين؛ وعلى آله الطيبين الطاهرين, واصحابه الغر الميامين , والتابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين, وكل من سار على نهجهم ونبراسهم آمين. وبعد:
صورة التقطتها سنة 1981م لضريح الولي الصالح سيدي علي بن احمد صاحب زاوية صرصر
فبحكمة القوي المتين, لم يخل اي زمان او سنين, من ولي صالح , او قطب واضح , يهدي على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم, ويرشد الأنام الى محجة الفوز والسلام . فكان هؤلاء الأولياء الأعلا م, بحق ورثة الأنبياء, وصفوة الأتقياء؛ وصدق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم:(مثل امتي مثل المطر , لا يدري اوله خير ام آخره.). اصفياء الله وخاصته؛ اتتهم الدنيا خاضعة فاعرضوا عنها وزهدوا فيها. وكم كان مصيبا الإمام الشافعي رحمه الله عندما وصفهم بقوله: ( نظروا فيها فلما علموا انها ليست لحي وطنا......جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا) ورغبوا فيما عند الله حتى نالوا المعرفة الحقة التي ادركوها ـ كما قال احدهم وهو ابو يزيد البسطامي رحمه الله ـ عندما سئل بماذا نالوا المعرفة فأجاب: ((بتضييع ما لهم والوقوف مع ماله)).(1). فكانوا يتمثلون قوله سبحانه وتعالى: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالاسحار هم يستغفرون. الآية).(2). شعارهم : ( اذا جاع القلب صفا ورق واذا شبع وروى عمى),(3). فسلت قلوبهم عن الدنيا ولذاتها الفانية , وسكنتهم الآخرة ومفازتها الباقية. ومن هؤلاء الصوفيين الأعلام , وكبار رجالات العلم والجهاد والزهد والصيام والقيام, الولي الصالح, والقطب الواضح , صاحب جبل صرصر المشرف على وزان وعرباوة والقصر, سيدي ابو الحسن علي بن احمد؛ المعروف في المراجع التاريخية وأمهات الكتب الصوفية , باسم: المغاسي الصرصري.(4) والذي ينتسب الى المرحلة الثالثة من مراحل التصوف ببلادنا, ان صح هذا التقسيم؛ حيث يصنف الدارسون التصوف المغربي الى مرحلة اولى وتبتدئ من الجنيد الى الشاذلي, لتبتدئ المرحلة الثانية به ـ اي الشاذلي ـ وتنتهي بالجازولي المتوفى سنة870 هـ والذي اخذ الطريقة عن شيخه عبد الله امغار؛ ثم المرحلة الثالثة والأخيرة المستمرة من الجازولي الى ما بعد, والتي ينتمي اليها مترجمنا.(5). وها هو احد مشايخه بالسند في الطريقة وهوابو القاسم الجنيد رضي الله عنه المتوفى سنة 277 هـ يقول:(( ما اخذنا التصوف عن القيل والقال , ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات , لأن التصوف هو صفاء المعاملة مع الله تعالى , وأصله العزوف عن الدنيا كما قال حارث: عزفت نفسي عن الدنيا , فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري)).(6). فان تساءلنا ما التصوف؟ قد تسعفنا الموسوعة العربية الميسرة عند تعريفها له ـ مع تحفظنا طبعا عن مساواتها بين التصوف الإسلامي والمسيحي ـ حيث جاء فيها ما يلي: (التصوف مسيحيا كان او اسلاميا هو مراتب يبدأ المتصوف فيه بتطهير نفسه من الدنس والاقدار والأهواء والنزعات المنحرفة بحيث يصبح اهلا للتجلي. وماالتجلي الا شعور يزيد من محبة الله والقرب منه, وكلما قوي هذا الشعورواطرد رقي بالنفس حتى تحس بوجود الله في قرارها, بل باتحادها به اتحادا كليا.).(7) لكن النهج الصوفي بالمغرب لم يتوقف عند مجاهدة النفس وتطهيرها, والسمو بالروح لاتحادها بخالقها, بل ان الطريقة التي يعد شيخنا رحمه الله احد اعلامها في المغرب وخارجه , قد اتسمت ببعد مجتمعي اصلاحي وجهادي , كان قد تبلور على يدي الشيخ عبد الله امغار شيخ الجازولي ؛ فصار من خصوصياتها المرابطة عند الثغور والحدود , للدود عن بيضة الدين . وكانت بالمرصاد لكل غزو اجنبي؛ سواء تعلق الأمر بالزحف النصراني في الشمال , او التوسع العثماني في الشرق كما حدث عندما اراد اتراك الجزائر غزو فاس سنة 1559م بقيادة حسن بن خير الدين بربروسا. وكمشاركتهم الشهيرة والفعالة في معركة وادي المخازن الفاصلة سنة 1576م والتي شارك فيها مترجمنا وشيخنا رحمه الله. كما يعرف الجميع امام الطرقة هو القطب الغوث الشيخ ابو الحسن علي بن عبد الجبار الحسني الإدريسي الملقب بالشاذلي . هذا الولي الصالح الذي درس في بداية امره بفاس على يد جملة من الصالحين من امثال ابن حرزهم قبل ان يشد الرحال الى بغداد باحثا عن القطب؛ حيث تجمع الروايات ان احد العارفين هناك وهو ابو الفتح الواسطي قد قال له: تركت القطب في المغرب وجئت تبحث عنه في المشرق , فارجع الى بلدك تجده ؛ فعاد ليجده بجبل العلم. انه سيدي عبد السلام بن مشيش الذي تتلمذ عليه الشاذلي حتى اذن له بالرحيل الى تونس.وهكذا انتشرت طريقة الشاذلي المعتدلة البعيدة عن كل غلو والمستندة الى الكتاب والسنة في منأى عن البدع والخرافات . وقد تكفل تلاميذه الذين فتح الله عليهم بنشر طريقته الوسطية مثل الجازولي وزروق خاصة الذين يعود لهما الفضل في نشر الطريقة في كافة ارجاء المغرب ؛ وقد شكلا معا رافدين مهمين للطريقة الشاذلية بالمغرب وخارجه , الرافد الجازولي والرافد الزروقي نسبة الى احمد زروق المتوفى بليبيا. اما الجزولي فنسبةالى محمد بن سليمان الجازولي(1375ـ1465م) نسبة الى قبيلة جزولة جنوب المغرب, صاحب الكتاب المشهور في سائر ارجاء العالم الإسلامي: (دلائل الخيرات). هذا الذي اخذ الطريقة عن عبد الله امغار وأسس زاويته بأفوغال مستكملا السير على نهج الشاذلي الى ان توفي سنة 869هـ. حيث عرفت زوايا الطريقة انتشارا واسعا واتباعا تكونوا دينيا ودنيويا , واضطلعوا بأمانة التدريس والجهاد ؛ لتملأ هذه الزوايا الفراغ الذي تركه غياب السلطة السعدية المنشغلة بصراعاتها على العرش ؛ فتولى ارباب الزوايا شؤون الناس عامة خصوصا في البوادي والمناطق النائية , حتى فاق الولاء للزاوية الولاء للدولة التي عرفت سلطتها تراجعا وعجزا عن الدفاع عن الوطن امام تنامي الأطماع الخارجية , وهكذا أخذت الزاوية على عاتقها مهمة الجهاد ضد الغازي فاكتسبت المشروعية والثقة..لقد كان شيخنا رحمه الله أحد أهم أعلام الطريقة الجازولية الزروقية في بلاد الهبط , حيث تولى نشرها هناك؛ والملاحظ ان هذه الطريقة لاقت اقبالا قي المنطقة خاصة وفي المغرب عامة ,لأن نهجها البسيط الواضح والقريب من الفطرة يقوم أساسا على التربية الصوفية والتي عمادها بكل اختصار, توحيد الخالق , ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم , والجهر بالحق , والجهاد في سبيل الله. مما جعلها تتعمق في نفوس المغاربة أكثر من غيرها لالتزامها بالكتاب والسنة , بعيدا عن الشطحات الفلسفية والمغالات. وقد حاولت قدر المستطاع من خلال هذا المنبرالمتوضع القاء الضوء على صفحات من حياة أحد أهم روافد هذه الطريقة المعتدلة ,واحد ابرز شيوخها؛ حيث كان له الفضل في نشرها في بلاد الهبط خاصة والمغرب عامة . بل ان اشعاعه رحمه الله قد وصل الى المشرق. انه الولي الصالح , القطب الناصح , الزاهد السالك , التقي الناسك ,أبو الحسن سيدي علي بن أحمد المغاسي الصرصري اللنجري الجرفطي الفيجيجي النسب.صاحب زاوية صرصر, المعروفة بنشر الدين والدفاع عن الوطن والمستضعفين, وتخريج كبار المشايخ والصوفية من العلماء والمجاهدين . وفي مقدمتهم مولاي عبد الله الشريف صاحب الزاوية الوزانية الذي سار على نهج شيخه ومربيه, وأضاف حلقة ذهبية لامعة في سلسلة الطريقة الصوفية الجازولية الشاذلية التي تلقاها عن شيخنا نفعنا الله ببركتهما. وتتلخص طريقة سيدي علي بن احمد في التمسك بالكتاب والسنة ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم, والتمسك بالأخلاق الحميدة, وأبقاء اللسان دائما رطبا بذكر الله , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والإحسان الى الخلق وارشادهم وعدم الغضب منهم , والمواظبة على الطاعات والصبر , وقلة النوم والإقبال على رب الأنام , والخلوة والصيام, والزهد والتوبة, والتحلي بالصدق, وحث الخلق على التوجه الى الله في السر والعلن والضراء والسراء,والجهاد في سبيل الله . بقلم: محمد الزبيري
المراجع: (1) كتاب : طبقات الصوفية؛ ص:65. (2) الآية 18من سورة النازعات (3) المرجع السابق ص: 68 (4) انظر صفحة: التعريف بالقطب الشريف (5) كتاب مظاهر تأثير صوفية مراكش في التصوف المغربي للدكور حسن اجلاب .ط: 1994 (6) المرجع رقم : 1 ص:96 (7) الموسوعة العربية الميسرة . ص: 527
|
أطلق هذا الموقع سنة 2006، آخر تحديث سنة:2015 جميع الحقوق محفوظة لصاحب الموقع